بحث موجز حول طرق تفسير القرآن و التقريب بين الأمة

پدیدآورالسیدبدرالدین امیرالدین الحوثی

تاریخ انتشار1388/09/13

منبع مقاله

share 273 بازدید
بحث موجز حول طرق تفسير القرآن و التقريب بين الأمة

السيد بدر الدين أمير الدين الحوثي
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمّد وآله الطاهرين، وبعد:
«فهذا بحث في طرق التفسير للقرآن الكريم» قال الله تعالى ?إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم?(1)، وقال تعالى: ?قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم?(2) وقال تعالى: ?فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه?(3) وقال تعالى: ?فإن تنازعتم في شيء فردوه
إلى الله والرسول?(1) قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى رسول الله الرد إلى سنته الجامعة غير المفرقة.
فعلينا أن نتمسك بالقرآن كما أمرنا ربنا والله تعالى يقول: ?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون?(2).
أما تفسير القرآن الكريم فالطريق إليه:
أولاً: اعتباره مطابقاً للسان العربي لأن الله تعالى يقول في القرآن ?وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين?(3). وبناء على ذلك يكون التفسير بواسطة علوم العربية متن اللغة والنحو والتصريف والبيان.
ثانياً: البعض من القرآن يفسر البعض أعني يفهم المراد في هذه الآية بما قد فهمناه في آية أخرى.
ثالثاً: العقل وليس المراد أن العقل وحده يفسر القرآن ولكن مواضع الاحتمال بالنسبة إلى اللغة العربية فالتفسير بالإجمال الموافق للعقل هو الواجب وكذلك يعين العقل ما هو المحكم وما هو المتشابه بناء على أن المتشابه ما كان ظاهر لفظة منه مخالفاً لقضية العقل، والمحكم ما اتضح معناه بلا مخالفة للعقل وهذا لأن العقل حجة الله على الإنسان يقول الله تعالى: ?ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون?(4) وقال تعالى: ?ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً?(5) ولأنه كثيراً ما
يترك تخصيص العام أو تقييد المطلق اكتفاء بعلم السامعين كما يكتفون به في باب الحذف فيفرق به مثلا بين معنى ?حرمت عليكم أمهاتكم?(1) ومعنى ?حرمت عليكم الميتة?(2) فلا يصح التفسير مع التجاهل.
رابعاً: التفسير بالسنة وهذا في تعيين المحتمل بالنسبة إلى اللغة العربية وسياق الكلام أما تفصيل المجمل فهومن السنة نحو عدد ركعات الصلوة وشروط الطواف فإن عد من التفسير فلا بأس في ذلك، وأما التخصيص لعموم القرآن بالسنة فنظراً إلى أن معنى التخصيص هو صرف العموم عن دلالته على الكل إلى دلالته على الباقي بعد التخصيص فإن القرآن عربي ينصرف معناه إلى العموم إذا لم يقترن بالمخصص أو يكون المخصص قد سبق وصار معلوماً للسامع يترك معه ذكر التخصيص اكتفاء بعلم السامع، أو يكون المخصص العقل فهو كذلك فأما أن يخصص بمتأخر منفصل فهذا لا يصح في اللسان العربي لأن العموم ينصرف إلى الكل فلا تتغير دلالته على العموم بل يعتبر في الخبريات تناقضاً ولا يصح في كلام الحكيم.
وفي العمليات يصح ما يسمى تخصيصاً ولكن ليس رافعاً لدلالة العام وإنّما هو نسخ أو محو ?يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب?(3).
وأما صرف القرآن عن ظاهره بالسنة فلو فرض وقوعه فلا يصح الحكم به إلاّ إذا علمت السنة قطعاً بالتواتر اللفظي والمعنوي أو بالخبر المحفوف بقرائن تصيره معلوماً أما الروايات المظنونة فلا يؤول بها القرآن بل يحكم بالقرآن لأنه متيقن معلوم ومحفوظ من الزيادة والنقصان أما الروايات فقد كثر فيها الكذب
على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تبعاً للسياسات الدولية والتعصبات المذهبية وتبعاً لغلط بعض الرواة من طريق السهو أو من طريق سوء الفهم.
وقد قيل تحكم الروايات إذا خالفت ظاهر القرآن وأن السنة حاكمة على القرآن، واحتج أهل هذا القول بقوله تعالى: ?وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم?، قالوا فلما كان هو المبين كان الواجب تقديم ما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعله مبيناً للقرآن ولو بطريقة التأويل.
والجواب أن الآية الكريمة ?لتبين للناس? لا تدل على صدق الروايات المخالفة للقرآن ولا تدل على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بين القرآن بما يصرفه عن ظاهره، لأن التبيين منه (صلى الله عليه وآله وسلم) يحصل بالبلاغ الواضح للسامع لا غموض في الصوت بل هو مسموع بين للسامعين ولا غموض في إخراج الحروف من مخارجها بل هي بينة وبهذا يكون قد بين للناس القرآن والسنة القولية ولا تدل الآية الكريمة على أكثر من هذا.
فلا يصح قولهم «إن السنة حاكمة على القرآن» كيف ؟ والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أول مأمور باتباع القرآن في قول الله تعالى ?وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون?(1).
والحق أن القرآن هو الحاكم لأن الله تعالى قد جعله حاكماً بين الناس فيما اختلفوا فيه، فالعمل بظاهر القرآن هو العمل بالحكم الذي في القرآن الذي يدل عليه لأن ظاهره قد حكم بخلاف حكم الرواية فيكون دليلاً على أنها غير صحيحة أو أنها متأولة بما يوافق القرآن أو أنها منسوخة فيما يمكن فيه النسخ.
والدليل على أن القرآن هو الحاكم قول الله تعالى ?فبعث الله النبيين
مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه?(1) فإذا اتبعناه كنا قد حكمتاه على الروايات عملاً بهذه الآية أما إذا عملنا بالروايات وتركنا القرآن كنا قد حكمنا الروايات على القرآن بغير دليل.
فإن قالوا: الدليل، أن الله قد أمر باتباع الرسول، قلنا: وقد أمر باتباع القرآن.
والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جعل التمسك به أماناً من الضلال في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي» فقد استوى القرآن والسنة في وجوب ابتاعهما وليس النزاع في ذلك إنّما النزاع في الروايات الظنية التي لا نعلم أنها من السنة.
واختص القرآن بأنه متيقن وبأن الله جعله حاكماً بين الناس فيما اختلفوا فيه وبأن الله خص القرآن من بين الوحي بأن جعله كتاباً ليحفظ ويتبع على تعاقب الأجيال وعند اختلاف الروايات وكثرة الكذب على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال سبحانه ?وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون?(2).
وليكون إياه غاية باقية مصدقا للرسول وبشيراً ونذيراً فلو حكمنا عليه الروايات لضاع بين التفاسير المكذوبة معظم الهدي في القرآن.
وأيضاً فإن القرآن كلام أحكم الحاكمين بلسان عربي مبين فلا يحتاج إلى أن يترجمه الرسول ليفهمه العرب لأنه نزل بلسانهم فلا يصح دعوى أن الروايات حاكمة على القرآن بدعوى أنها بيان للقرآن لأنه يستلزم أن يكون التعبير في القرآن ناقصاً عن إفادة المقصود به وهذا يخالف قوله تعالى ?بلسان عربي مبين?(3)
لأن كونه مبينا ينافي كونه قاصراً عن إفهام المقصود يحتاج فيه إلى بيان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا واضح والحمد لله.
وبمثل ما قلنا في تفسير القرآن بالسنة نقول في تفسيره بقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أو غيره من الأئمة (عليهم السلام).
نعم حيث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوصى أمته بالتمسك بالقرآن وعترته فعلينا أن ننظر في القرآن باستقلال فكر وحرية نظر بلا تقليد لأحد من المفسرين بل بالطرق المذكورة سابقاً ومع ذلك نتمسك بالعترة في التفسير ونستعين بهم على فهم غوامض القرآن وإحراز درر فوائده، ولا تعارض بين هذا وبين تحرير الفكر في تفهم القرآن لأن علماء آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوضحون لمن تمسك بهم دلالته ومن أين دل على ما ذكروه حتّى تتضح لـه صحة ما ذكروه من دون أن يخالف الواضح من معاني القرآن.
مثال ذلك قول الله تعالى في الإنسان عند الرضاعة ?وفصاله في عامين?(1)
فهذا كلام واضح معناه، وقوله تعالى ?وحمله وفصاله ثلاثون شهراً?(2) وهذا واضح معناه أن جملة مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً فحين نرجع إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) نجده يبين لنا دلالة مجموع الآيتين على أن أقل الحمل ستة أشهر وهذا واضح يقبله الفهم بدليله من القرآن وعلى هذا يتبين أنّه لا تنافي بين تحرير الفكر والتمسك بالعترة في التفسير.

فصل

في التقريب بين الأمة

اعلم أن التقريب بين أهل المذاهب لـه معنيان:
الأول التقريب بينهم بالتلاقي بينهم في المسائل المتفق عليها بينهم والسكوت عن الخلافات فيشتركوا في العمل على ما اتفقوا عليه ويتحدوا في القوة ضد أعدائهم ولا يكفر بعضهم بعضاً، ولا يفسق، ولا يجهل بل يعامله بالعدل، والإحسان بقدر الإمكان، ويتركه وشأنه في مذهبه المخالف مع سكوته عن الدعوة إليه في بلاد الآخرين، وعن المعارضة به الحين بعد الحين عملاً بقول الله تعالى ?لا ينهاكم الله عن الّذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين?(1).
وهذا في فرض اعتقاد بعضهم كفر البعض الآخر أو فسقه فأما مع عدم ذلك فلا إشكال فيجب التوحد عملاً بقول الله تعالى: ?وتعاونوا على البر والتقوى?(2) وعملاً بقوله تعالى: ?يا أيها الّذين آمنوا كونوا أنصار الله ?(3).
وقولـه تعالى: ?يا أيها الّذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون? (4) فإذا توقف النصر لدين الله والجهاد في سبيل الله على التوحد بين المسلمين لزم.
المعنى الثاني من معاني التقريب: التقريب بينهم في المذاهب والدلالة على ما به يحصل التقارب فيها.
فنقول: لا شك أن الله قد جعل للإنسان العقل الذي هو حجة الله علي الإنسان يوم القيامة يقول الله تعالى: ?ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون?(1) ولا إشكال أن قضايا العقول متحدة فإذا أتبعتها الفرق فلا بد أن تتحد في مواضيع القضايا العقلية كلها وقد وقع التفرق بسبب إهمال العقل في بعض المسائل من بعض الفرق فتبين من هذا أول طريق من طرق الاتحاد وهي الرجوع إلى قضايا العقل كلها والمراد القضايا المبتوته لا المشروطة بعدم سبب معارض كتحريم قتل الحيوان فإنه مشروط بعدم وجود مبيح يخرج القتل عن كونه ظلماً.
الثاني من طرق الاتحاد: القرآن لأن الفرق مجمعة على أنّه من الله، وأنه حق كما قال الله تعالى: ?وبالحق أنزلناه وبالحق نزل?(2) فيجب على الأمة اتباعه كما أمر الله وترك ما يصرفهم عنه.
وهذا يتوقف
أولاً: على معرفة اللغة العربية.
ثانياً: ترك التقليد في التفسير للواحد من المفسرين بل وللكثرة إذا كان سببها تقبل التفسير من بعضهم بدون تأمل وتحرير فكر فيترك التقليد في التفسير على الإطلاق.
ثالثاً: التفهم الكامل والتأني حتّى يحصل الفهم بلا تردد ومن المهم جعل القرآن فوق الأغراض والتعصبات المذهبية حتّى لا يعطف القرآن على هواه والله تعالى يقول: ?ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله?(3).
ومن المهم طرد الشيطان حتّى لا يشغله عن الفهم بوسواسه، وطرده يكون بالإيمان المقرون بالتقوى أولاً، وبالتوكل الذي يعين عليه صدق الإيمان ثانياً، وبالاستعاذة من الشيطان ثالثاً.
فهذه ثلاث خصال لطرد الشيطان قد دل عليها القرآن قال تعالى: ?فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس لـه سلطان على الّذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون?(1).
ومن المهم مراجعة علماء الدين الخلص عندما يحصل إشكال فلهم في فهم القرآن قوة إذا زهدوا في الدنيا، وكان المهم عندهم الصواب في تفسير القرآن وغيره ويكونون قد مارسوا التفسير، ونشأوا على تفهم القرآن ولاسيما من كان من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كونهم قرناء الكتاب المهم الالتجاء إلى القرآن وترك الاستغناء عنه بالتقليد أو بالروايات ورفض توهم: أنّه لا يستطيع فهمه، أو أنّه مجملات ومحتملات لا يستطيع فهم المراد منها فهذا من الشيطان ليصرفه عن القرآن.
ومن المهم الزهد في الدنيا حتّى يتجه الذهن إلى القرآن تماماً.
الثالث: من طرق الاتحاد إتباع السنة المعلومة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الرابع إتباع الأحاديث المتفق عليها بين الأمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يكون العدول عن شيء من ذلك إلى اضعف منه إلاّ لهوى أو تعصب مذهبي.
فهذه أربع طرق قد نصح القرآن بها في قول الله تعالى: ?فإن تنازعتم في
شيء فردوه إلى الله والرسول?(1).
وقد يقال: إن العقل غير مذكور فيها والجواب: أنا قد بينا أن استعمال العقل في التفسير والتمييز بين المحكم والمتشابه، فهو آلة الرد إلى الله والرسول فقد دلت عليه الآية بالالتزام.
ومن حيث أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واحد تنتمي إليه الفرق كلها يمكن التقارب بين الفرق بالحرص على اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحتاج إلى فهم السنة بالطرق التي ذكرتها لفهم القرآن وأهمها فهم اللغة وتحرير الفكر على ضوء العقل والقرآن كما مرّ.
ومن حيث تبين أن عقل الفرق واحد وقرآنها واحد ورسولها واحد تبين أن معظم سبب التفرق إنّما هو السياسة الدولية والتعصبات وأنهم تفرقوا كما تفرق الّذين أوتوا الكتاب يقول الله تعالى في بني «إسرائيل»: ?وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم?(2) وفي الحديث المشهور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال «لتحذن حذو من قبلكم».
وعلى هذا فتحرير الفكر وإطراح التعصب المذهبي الذي يصرف عن تحرير الفكر، وإطراح الهوى كله، وترك التمسك بالمألوف الموروث، من بعد أهل السياسة الّذين فرقوا بين المسلمين كلّ ذلك مع كمال النظر واعتماد العقل والكتاب والسنة المعلومة لابد أن يتقارب معه المسلمون ويهون الخلاف بينهم إذا أعتمد ذلك وخصوصاً مع التقارب بالمعنى الأول.

فصل

في صور من طرق التقريب

وهناك طريقة للتقريب وهي: إمكان الجمع بين الأقوال المختلفة على أن يرجع المختلفون إلى ذلك الجمع ونشير هنا إلى صور من الجمع والتقريب بين الأقوال نقول:

مسألة كلام الله:

قيل هو من صفات الله سبحانه وقالوا هو قديم وقيل بل هو حادث وليس صفه.
وحيث أن الفريقين متفقان أن الله سبحانه عالم بكلامه في الأزل لم يكن غافلاً عنه عز شأنه وليس كالمخلوقين الّذين ينشئون كلامهم بترو وتفكير فيسمى الكلام أزليا بمعنى أنّه في علمه سبحانه في الأزل لا بمعنى أن الصوت موجود في الأزل، بل بمعنى أنّه في علمه، وأن كونه في علمه يعتبر وجوداً لـه كما يعتبر القرآن موجوداً في صدور الّذين أوتوا العلم الحافظين لـه .
فيقال القرآن في الصحف مكتوب وعلى الألسن مقروء وفي الصدور محفوظ فاعتبر موجوداً في الصدور ومعنى ذلك أنّه معلوم متصور في الصدور فكذلك إذا قيل هو موجود في علم الله سبحانه في الأزل فمعناه أنّه عالم به في الأزل وكذلك الصوت الذي هو الكلام المؤلف من حروف وكلمات يتبع بعضها بعضاً هو محدث فالقرآن محدث بهذا الاعتبار فنجمع بين الاعتبارين ونتفق على
القولين ولا نكفر بعضنا ونقول محدث ولا نقول مخلوق لنثبت لله قدرة القول كما لـه قدرة الفعل.

مسألة أفعال العباد:

قيل هي من الله وقيل هي من العبد والجمع بين القولين أن نقول: هي من العبد اختياره وتلحقه أحكامها من المدح والذم والثواب والعقاب وهي باعتبار آخر تنسب الحسنات إلى الله سبحانه لأن وجودها ترتب على أفعاله فهي كالمتولد من فعله تنسب إليه لأنه هدى إليها ويسر فعلها وصرف الموانع ورضيها وفي السيئات لا تنسب لئلا يوهم الجبر والرضى بها فإن كانت فيها لله حكمة صحت النسبة إليه باعتبار تلك الحكمة نحو قوله تعالى ?ويذيق بعضكم بأس بعض?(1) وفي الحديث أوحى الله إلى نبيه أني قتلت بيحيى ابن زكريا سبعين ألفاً وأني قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا ولا فائدة في الخلاف في نسبته إلى الله أهي حقيقية أم مجازية مع الاتفاق على المعنى وترتب الفعل على قدرة العبد واختياره لا ينافي نسبته إلى الله سبحانه لأنه يخلق بعض المخلوقات مترتبة على فعل العبد كإنبات الزرع وخلق الولد وليس المراد أن نسبة الفعل إلى الله من هذا القبيل ! وإنّما المراد أنّه قد يترتب فعل الله سبحانه على فعل العبد مع أن فعل العبد مترتب على فعل الله سبحانه ولا مانع من هذا على أصول أهل العدل أعني نسبة فعل العبد إلى الله بالمعنى المذكور لأنه لا ينافي تحصيل العبد لـه وكونه يستحق أن يسأل عنه تماماً.
وقد ورد في القرآن أن ينسب إلى الله سبحانه وتعالى ما بعضه بواسطة فعل
العبد نحو ?فرددناه إلى أمه كي تقر عينها?(1)?وما بكم من نعمة فمن الله?(2)?وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو?(3)?وهو يطعم ولا يطعم?(4)?نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً?(5).
فالنعم كلها والإطعام والسقي من الله ولو تخلل أسباب وصولها إلى العبد فعل العبد بل يعتبر من جملة الأسباب من حيث أن أثر القدرة وهي فعل الله سبحانه وان كانت لا تسمى سبباً للفعل في عرف المتكلمين مع أن بعضها قد وردت في القرآن نسبتها إلى المخلوق مثل ?وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه?(6) ومثل ?ويطعمون الطعام على حبه?(7) فإذا اتفقت العدلية والجبرية على هذه الطريقة انحلت إشكالات كثيرة.

مسألة الرؤية:

قيل تجوز على الله بل تكون للمؤمنين، وقيل لا تجوز الرؤية على الله ولا يراه أحد لا المؤمنون ولا الأنبياء المرسلون لأنها لا تليق بجلاله والجمع بين الفريقين أن يقال ليس في أدلة المثبتين لها إثبات الرؤية بقيد كونها بالأبصار وقد دلت الآية الكريمة ?لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير?(8).
دلت على نفي الرؤية ودلت بسياقها على أنها لا تليق بجلاله.
فيحمل ما استدل به المثبتون للرؤية على أنها اتصال بالقلب وتعلق بالله وتوجه بالذهن إليه وحده واستغراق الذهن في ذلك الذكر لله في النفس فيكون لذلك سرور للروح وانشراح للصدر كما ينشرح الصدر بذكر الله في الدنيا.
ولا يجب أن تكون رؤيته سبحانه كرؤية المخلوقات لا بالعين ولا بالقلب، كما أن معرفته ليست كمعرفة المخلوقات وفعله ليس كفعل المخلوق وقوله ليس كقول المخلوق سبحانه وتعالى.
فإن قيل لو كان معنى الرؤية ذلك لكان ذكرنا لـه في الدنيا بقلوبنا رؤية في الدنيا مع الاتفاق أنا لا نراه في الدنيا.
فالجواب: إن ذاك الذي في الآخرة لـه درجة لا تبلغها درجة ذكره في الدنيا اللهم إلاّ أن تكون تمت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن صح أنّه رآه بقلبه كما قيل وعلى هذا فلا يلزم أن يسمى ذكره بالقلب في الدنيا رؤية لاختصاص الذي في الآخرة بمزيد حضور الذهن والاستغراق فيه مع قوة وكمال العلم بالله لكونه ضروري في الآخرة فافترقا.
فإن قيل هذا مشكل لأن في الحديث كالقمر أو كما ترون القمر فمعناه الرؤية بالبصر !
فالجواب: أنكم لا ترضون بان اعتمادكم على هذه الرواية يستلزم تشبيه الله بالقمر والمراد عندكم تحقق الرؤية وإنها في تحققها مثل رؤية القمر فقد بطل اعتباره دليلاً على الرؤية بالبصر لأن التحقق يمكن أن ينسب إلى المعنى الذي ذكرناه ولا يستبعد ذلك فإن رؤية البصر للشيء لا تحصل فائدتها إلاّ مع انتباه الرائي
لـه وقد يرى الشيء وهو غافل عنه فيكون كأنه لا يراه وتكون الرؤية مع الغفلة عنه قليلة الجدوى ولذا فالرؤية ليست غاية وإنما هي وسيلة والغاية اتصال القلب والروح بالمرئي وبالنتيجة فقد كفى اتصال القلب والروح بالله تعالى من دون رؤية بالعين ولا بالقلب على معنى الرؤية بالعين واتفقنا على حصول المقصود الذي يطلب بالرؤية لو كانت ممكنة وسميناه رؤية لأنه غاية الرؤية فيما تجوز عليه وتمكن وإذا اجتمعنا على هذا التوفيق زال الخلاف وانقطع الجدال فيما يحتج به الفريقان في هذه المسألة.
فهذا ما تيسر وحضر عند كتابة هذا البحث في التقريب بين المذاهب وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى آله الطاهرين.

پاورقيها:

1 ـ الأنعام: 155.
1 ـ الأنعام: 65.
1 ـ البقرة: 213.
1 ـ القصص: 13.
1 ـ الممتحنة: 8.
1 ـ النحل: 98.
1 ـ النساء: 23.
1 ـ النساء: 59.
1 ـ النساء: 59.
1 ـ سورة الإسراء: 9.
1 ـ لقمان: 14.
1 ـ يس: 62.
2 ـ الأحقاف: 15.
2 ـ الإسراء: 105.
2 ـ الأنعام: 155.
2 ـ الجائية: 17.
2 ـ الصف: 14.
2 ـ المائدة: 15.
2 ـ المائدة: 3.
2 ـ المائدة: 44.
2 ـ النحل: 53.
3 ـ البقرة: 213.
3 ـ الرعد: 39.
3 ـ الشعراء: 195.
3 ـ الشعراء: 195.
3 ـ المائدة: 2.
3 ـ صاد: 26.
3 ـ يوسف: 100.
4 ـ الأنعام: 14.
4 ـ المائدة: 35.
4 ـ يس: 62.
5 ـ الإسراء: 36.
5 ـ النحل: 66.
6 ـ الأحزاب: 37.
7 ـ الإنسان:8.
8 ـ الأنعام: 103.

مقالات مشابه

دوگان کلام محوری / انسان محوری؛ رویکردی نو در گونه‏ شناسی تفاسیر قرآن کریم

نام نشریهپژوهش دینی

نام نویسندهمحمود کریمی, محمد حسن شیرزاد, محمد حسین شیرزاد

تفسیر تاریخی قرآن کریم

نام نشریهقرآن و علم

نام نویسندهمحمدعلی رضایی اصفهانی

تفسیر تطبیقی:معنایابی و گونه شناسی

نام نشریهپژوهش های نفسیر تطبیقی

نام نویسندهمحمدکاظم شاکر, انسیه عسگری

گونه‌شناسی و روش‌شناسی روایات تفسیری امام باقر(ع)

نام نشریهسراج منیر

نام نویسندهقاسم بستانی, نصره باجی, سیدیوسف محفوظی

تفسير تنزيلى در بوته نقد با تأكيد بر تفسير الحديث

نام نشریهمعرفت

نام نویسندهعلی‌اکبر شایسته‌نژاد

روش تفسيري امام رضا (ع)

نام نشریهبینات

نام نویسندهمحمد جوکار

تحلیل انتقادی طبقه‌بندی تفاسیر و ارائة مدل مطلوب

نام نشریهپژوهشهای قرآنی

نام نویسندهعلی اسعدی, محمد اسعدی, محمدکاظم شاکر